ريتشارد 3 لجعفر القاسمي« حتى لايولد ريتشارد أخر بيننا»


قدّم المسرحي جعفر القاسمي مساء الجمعة 6 جويلية 2013 بقاعة المونديال بالعاصمة العرض الاول لمسرحيته
الجديدة «ريشارد 3» وحضر العرض عدد كبير من المسرحيين والاعلاميين والاصدقاء وأقارب المخرج جعفر القاسمي والممثلين.
وتحمل المسرحية الى جانب الاسم العربي عنوانا بالفرنسية «Richard court-circuit» لأن النص مقتبس من قبل محفوظ غزال عن «court-circuit» لـ «ويليام شكسبير».
المسرحية كما لخصها صاحبها هي قصّة عائلة تتيه في صراعات وتتخبّط بين العتمة والنور، صراعات أنجبت «ريتشارد 3» في عتمة الظلام الحالك ليتمرّد على عيوبه الخلفية وعلى اخوته عبر سفك الدماء والتسلط، فمشكلة التسلّط تطرح في هذه المسرحية انطلاقا من العائلة المصغّرة في رمزية جليّة الى استفحالها في الوطن وفي الانسان عموما.
أبطال المسرحية هم الممثلون الصحبي عمر، ونبيلة قويدر، وفاطمة الفالحي وسماح التوكابري وربيع ابراهيم، وعاصم بالتهامي، وخالد الفرجاني. وقد ارتأى جعفر القاسمي في رؤيته الاخراجية المحافظة على الأسماء الاصلية للممثلين في شخصيات مسرحيته في المشاهد التي تتحدّث عن عالمنا الراهن، الآن وهنا.

تداخل مقبول

الحديث عن الممثلين وعن الرؤية الاخراجية، يجرّنا حتما للحديث عن الجانب الفني الجمالي لهذه الرؤية.
لقد اختار جعفر القاسمي رؤية اخراجية راوح خلالها بين مشاهد من عالمنا ومشاهد من عالم شكسبير، وأحيانا تداخل العالمين حدّ الانصهار، لأن في رؤية المخرج هذان العالمان يشكلان القصة نفسها، عينها وإياها... وبالتالي يخضعان لنفس المنظومة ويفرزان نفس المأساة.
وقد تبدو الشخصية الرئيسية في العمل «ريتشارد 3» أحيانا ضبابية، لأن التدقيق في هذه الشخصية من خلال النص الاصلي يبرز أنها شخصية تعاني من عقدة الاضطهاد الى حد جعل الشرّ في طبعه موقفا وهي شخصية نمطية بالأساس.
وما غاب عن نصّ مسرحية جعفر القاسمي هو مونولوغ شخصية «ريتشارد الثالث»، والذي جاء من ضمن ما جاء فيه «أنا الذي خلق على عجل وزيّفت الطبيعة الخادعة قامته... ولم يؤت من جمال المحبّين ما يخطر به أمام حسناء مغتالة لعوب... أنا الذي تهوشه الكلاب لما تراه في من بالغ عجزه ودمامة خلقته... فلأكن شريرا إذن ما دمت لا أصلح للحب ولا للتمتع بهذه الحياة الجميلة السعيدة...».
حذف هذه الديباجة أو هذا المونولوغ كان لديه مبرّرات تظهر خاصة مع بعض السهام الموجّهة في خطاب ريتشارد الثالث (الصحبي عمر) حين خاطب الحضور بما معناه «كلّكم ريتشارد 3 حينما تصلون الى السلطة» ويبقى هذا الخطاب مجرّد رؤية خاصة للمخرج أو للمؤلف، لأنها ليست بالحقيقة الحتمية.

جمالية في الطرح

الأبعاد الرمزية في المسرحية الجديدة لجعفر القاسمي عديدة ومتنوّعه فيها تلميح لواقع راهن نعيشه يوميا بمصائبه، وخاصة بعد ما يسمّى بـ «ثورات الربيع العربي»، لكن الأجمل ما في هذا العمل المسرحي هو جمالية الاخراج التي تحمل توقيع جعفر القاسمي. فـ «جعفور»، كما يحلو لجمهوره مناداته، اختار في رؤيته الجمالية، إعادة تجربته الناجحة في مسرحيته السابقة كمخرج «حقائب»، وذلك من خلال اعتماده على الفضاء القفر أو الخالي او العاري، والتخلّي عن الديكور الملموس، ليؤثّث فضاءه اعتمادا على الممثلين أنفسهم، وعلى الاضاءة.
إذن هناك على الخشبة أشخاص،وضوء، ينصهران ويتعانقان ويتقاطعان ويتداخلان ليرسما لوحات فنية رائعة، فكأن جعفر القاسمي فنّان تشكيلي ريشته الممثل وألوانه الاضاءة ولوحته الخشبية، رسم كما شاء أو كيفما شاء لوحته التراجيدية بروح كوميدية، وأنهى ممضيا في أسفل لوحته: جعفر القاسمي.